مرض الدرن وطرق الوقاية منه

يُعدّ مرض الدرن، أو ما يُعرف طبيًا بمرض السل (Tuberculosis)، من أكثر الأمراض المعدية المزمنة التي شكّلت تحديًا صحيًا عالميًا عبر العصور. وعلى الرغم من التقدم الطبي الكبير في العقود الأخيرة، ما يزال الدرن يُعدّ من أبرز مسببات الوفاة بالأمراض المعدية، لا سيما في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تتفاقم أعباؤه الصحية والاجتماعية والاقتصادية بشكل ملموس. تتجلى أهمية هذا الموضوع في تأثيره الواسع على صحة الأفراد والمجتمعات، وكذلك في قابلية هذا المرض للوقاية والسيطرة عليه في حال توافرت السياسات الصحية الفعالة والوعي المجتمعي الكافي.

تعريف مرض الدرن

الدرن هو مرض معدٍ تسببه بكتيريا المتفطرة السلية (Mycobacterium tuberculosis)، التي تستهدف غالبًا الرئتين ولكن يمكن أن تُصيب أجزاء أخرى من الجسم مثل العقد اللمفاوية، العظام، الدماغ، الكبد، والكليتين. ينقسم الدرن إلى نوعين أساسيين:

• الدرن الكامن (Latent TB): وهو الحالة التي توجد فيها البكتيريا في الجسم ولكن دون أعراض ظاهرة، ولا يكون المريض معديًا.

• الدرن النشط (Active TB): الحالة التي تظهر فيها الأعراض ويكون فيها الشخص معديًا، وهي الحالة التي تستدعي العلاج الفوري لمنع انتقال العدوى.

مسببات المرض وآلية انتشاره

تنتقل بكتيريا المتفطرة السلية من شخص مصاب بالدرن الرئوي النشط إلى آخرين عبر الرذاذ التنفسي، أي عند السعال أو العطاس أو حتى التحدث. وعند استنشاق هذه القطيرات، يمكن أن تدخل البكتيريا إلى الرئتين وتبدأ رحلتها في جسم الإنسان. وفي ظل ظروف مواتية، مثل ضعف الجهاز المناعي، قد تتكاثر هذه البكتيريا وتتحول الإصابة الكامنة إلى حالة نشطة.

تشمل عوامل الخطر التي تُسهّل الإصابة بالدرن:

• الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).

• سوء التغذية أو نقص الوزن الحاد.

• التقدم في السن.

• الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض الكلى.

• التدخين وتعاطي المخدرات.

• العيش في بيئات مكتظة وغير صحية.

• العمل في مؤسسات صحية بدون وسائل وقاية كافية.

أعراض مرض الدرن

تختلف أعراض الدرن تبعًا للعضو المصاب، إلا أن الدرن الرئوي يُعد الأكثر شيوعًا. وتشمل أعراضه:

• سعال مستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع.

• خروج بلغم مصحوب أحيانًا بدم.

• فقدان الوزن بشكل ملحوظ دون سبب واضح.

• فقدان الشهية.

• تعرق ليلي غزير.

• ارتفاع طفيف في درجة الحرارة أو الحمى المزمنة.

• الإرهاق العام والضعف.

أما في حالات الدرن غير الرئوي، فقد تظهر أعراض خاصة بالعضو المصاب، مثل آلام في الظهر أو المفاصل، تضخم العقد اللمفاوية، اضطرابات في الجهاز العصبي أو الكلى، وغيرها.

تشخيص الدرن

يتطلب تشخيص مرض الدرن مجموعة من الفحوصات التي تهدف إلى التأكد من وجود البكتيريا وتحديد حالتها:

1. اختبار الجلد للسل (Tuberculin Skin Test – TST): ويُعرف أيضًا باختبار مانتو، حيث يُحقن البروتين المنقّى من السل تحت الجلد ويُراقب موضع الحقن بعد 48-72 ساعة.

2. اختبار الدم (IGRA): يقيس الاستجابة المناعية لبروتينات السل، ويُستخدم بشكل أساسي لتشخيص السل الكامن.

3. الأشعة السينية للصدر: للكشف عن أي تغييرات في الرئتين تدل على إصابة بالسل النشط.

4. فحص البلغم: يُستخدم لتأكيد وجود بكتيريا السل عبر المجهر أو زرعها في بيئة مخبرية لتحديد حساسيتها للمضادات الحيوية.

علاج مرض الدرن

يُعتبر الدرن من الأمراض القابلة للعلاج إذا ما تم اتباع خطة العلاج بدقة، ويعتمد العلاج على تناول مزيج من المضادات الحيوية لفترة لا تقل عن ستة أشهر. يُعرف هذا النظام العلاجي باسم العلاج القصير الأمد المراقب مباشرة (DOTS)، ويُشرف خلاله العاملون الصحيون على تناول المريض للأدوية لضمان الالتزام.

تشمل الأدوية الرئيسية المستخدمة:

• إيزونيازيد (Isoniazid)

• ريفامبيسين (Rifampicin)

• بيرازيناميد (Pyrazinamide)

• إيثامبوتول (Ethambutol)

تُعطى هذه الأدوية عادة في أول شهرين، تليها مرحلة مواصلة العلاج لمدة أربعة أشهر بأدوية مختارة حسب حالة المريض. ويجدر بالذكر أن عدم الالتزام بالعلاج قد يؤدي إلى الدرن المقاوم للأدوية (MDR-TB)، وهو من أخطر أشكال المرض وأكثرها صعوبة في العلاج.

الوقاية من مرض الدرن

تُعد الوقاية من الدرن ركيزة أساسية في الاستراتيجية العالمية لمكافحة المرض، وتتنوع أساليب الوقاية بين الوقاية المجتمعية والوقاية الشخصية:

1. التطعيم بلقاح BCG

لقاح السل (Bacillus Calmette–Guérin – BCG) هو الوسيلة الوقائية الرئيسية المستخدمة عالميًا، ويُعطى عادة للمواليد الجدد في المناطق ذات الانتشار العالي للسل. رغم أن فعاليته تختلف من منطقة لأخرى، إلا أنه يُعد فعالًا في الوقاية من الأشكال الشديدة من السل، خصوصًا السل السحائي والسل المنتشر في الأطفال.

2. الكشف المبكر وعلاج الحالات الكامنة

تُعد مكافحة العدوى أمرًا جوهريًا عبر فحص الأشخاص المخالطين للحالات المصابة، وخصوصًا الأطفال والمسنين والمصابين بضعف في المناعة. في حال الكشف عن سل كامن، يُمكن تقديم علاج وقائي لتقليل خطر تطور المرض إلى حالة نشطة.

3. تحسين بيئة السكن والعمل

تشمل الوقاية البيئية تحسين التهوية في الأماكن المزدحمة، والتقليل من الاكتظاظ السكاني، واتباع تدابير النظافة الأساسية مثل غسل اليدين وتغطية الفم أثناء السعال والعطس. كما تُعد التهوية الطبيعية والشمس من الوسائل البسيطة والمهمة في تقليل تركيز البكتيريا في الهواء.

4. تعزيز المناعة والتغذية

يُسهم النظام الغذائي المتوازن والغني بالبروتينات والفيتامينات والمعادن في دعم الجهاز المناعي ومقاومة العدوى، لا سيما في المجتمعات الفقيرة حيث يترافق سوء التغذية مع انتشار المرض.

5. التثقيف الصحي

نشر الوعي المجتمعي حول أعراض الدرن وطرق انتقاله وأهمية العلاج والوقاية يُعدّ من العوامل الجوهرية في تقليل الانتشار. كما أن محاربة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالدرن ضرورية لتشجيع المرضى على طلب العلاج دون تأخير.

الدرن المقاوم للأدوية

يُعد تطور سلالات مقاومة من بكتيريا السل للمضادات الحيوية تهديدًا كبيرًا للصحة العامة. وينتج الدرن المقاوم للأدوية المتعددة (MDR-TB) عندما لا يُكمل المرضى فترة العلاج المقررة أو يتناولون الأدوية بشكل غير منتظم، مما يؤدي إلى عدم القضاء التام على البكتيريا ومنحها فرصة للتكيف مع الدواء.

ويوجد أيضًا الدرن شديد المقاومة للأدوية (XDR-TB)، وهو نوع مقاوم لأدوية الخط الأول والثاني، ويُعد أصعب في علاجه ويتطلب خطط علاج طويلة ومعقدة وأدوية غالية الثمن قد تكون ذات آثار جانبية شديدة.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أنواع الدرن:

العبء العالمي لمرض الدرن

بحسب منظمة الصحة العالمية، يُقدّر أن ما يقرب من 10 ملايين شخص أُصيبوا بالدرن سنويًا في السنوات الأخيرة، وأن أكثر من 1.5 مليون شخص توفوا بسببه. وعلى الرغم من التراجع النسبي في أعداد الحالات الجديدة بفضل برامج الصحة العامة، إلا أن الجائحة العالمية لفيروس كوفيد-19 في السنوات الأخيرة أثرت سلبًا على جهود مكافحة الدرن، إذ توقفت حملات التوعية والفحوصات في بعض المناطق.

تُعد الهند، الصين، إندونيسيا، الفلبين، باكستان، نيجيريا، وبنغلاديش من أكثر الدول التي تتحمل العبء الأكبر للدرن. أما في المنطقة العربية، فإن بعض الدول مثل اليمن، السودان، وموريتانيا تواجه تحديات في مكافحته بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية.

الخلاصة

مرض الدرن هو واحد من أكثر الأمراض المعدية تأثيرًا على الصحة العامة، ويجمع بين البعد الطبي والاجتماعي والاقتصادي، ويُشكّل تحديًا للأنظمة الصحية خصوصًا في الدول النامية. يتميز بقابليته العالية للوقاية والعلاج في حال التزم المرضى بالخطط العلاجية وخضعت المجتمعات لإجراءات وقائية منظمة ومدروسة. ولتحقيق القضاء الكامل على الدرن، يتطلب الأمر استراتيجيات شاملة تبدأ من التثقيف الصحي، مرورًا بالتشخيص المبكر والعلاج المراقب، وانتهاءً بتطوير اللقاحات وتوسيع نطاق الرعاية الصحية الأولية.

المراجع

1. World Health Organization (WHO). Global Tuberculosis Report 2023.

2. Centers for Disease Control a